اليمن... عيد بلا ملامح ومعاناة شتى!

في وقتٍ تستعد الشعوب الإسلامية للفرح والابتهاج بعيد الأضحى المبارك، وتمتلئ الأجواء بأصوات التكبير والتلبية، ويؤدي حجيج بيت الله مناسكهم، وتتزَيّن البيوتُ والمنازل بالزِّينة والأنوار الجميلة، وتُذبحُ الأضاحي وتُوزَّع الصدقات، وتتلاقى العائلاتُ وتسعد بهذا العيد، ويُعانق الأطفال ملابسهم الجديدة، ويحمل الكبار أماني السلام والخير لأوطانهم وشعوبهم، يغرق اليمنيون في واقعٍ صادمٌ ومُغاير، عنوانه حرب طاحنة واقتصاد منهار، يسرق من وجوه الجميع ملامح العيد، ويُطفئ من قلوبهم جذوة الفرح، ويسلب الابتسامة من غِمدها، والسبب يعود إلى انهيارٍ غير مسبوق للأوضاع المعيشية التي جعلت من هذه الشعائر حلماً بعيد المَنال، فلم يعد الكثير منهم قادرين على شـراء الأضاحي، والتمتّع بالسفر لقضاء إجازة العيد في المدن الساحلية والشواطئ الجميلة، بل أصبحوا بالكاد يجدون قوت يومهم، بعد أن أثقلت الحرب كاهلهم، وأرهقتهم الأزمات المتلاحقة، من ارتفاع الأسعار، إلى شحةٍ الموارد، إلى انقطاع الرواتب، إلى انهيار العملة، إلى... إلى!، ليصبح شـراء ملابس العيد مثلاً أو توفير وجبة طعامٍ لائقة ضرباً من الترف والرفاهية بالنسبة إلى شـريحةٌ عظمى من اليمنيين، حيث تشير تقارير للأمم المتحدة إلى أن هذا البلد يُعاني واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يحتاج أكثر من 21 مليون شخص، أي حوالي 70 بالمئة منهم إلى شكلٍ من أشكال المساعدات، كما تشير تقارير أخرى إلى أن 80 بالمئة منهم يُعانون الفقر المدقع.
وفي ظل هذه المعطيات يحلُّ عيد الأضحى في اليمن هذا العام باهتاً سادراً غائراً، بل هو «عيدٌ بلا ملامح»، كما يصفه اليمنيون أنفسهم!، فلا جديد يُشترى، ولا ثياب تُبدَّل، ولا ألعاب أطفالٍ تُقتنى، وهؤلاء طالما كانوا عنوان العيد وبهجته، فها هم الآن محرومون من فرحةٍ يترقبها أقرانهم حول العالم، فلم تعد البهجة في الأحياء، ولا الفرح في المنازل، ولا السعادة للأطفال، فقد سُـرقت ملامحها منهم في خضم معركةٍ لم ولن يختاروها، وبالتالي ستتركُ جروحاً عميقة في ذاكرة جيل بأكمله.
ليكون المشهد العام للبلد كله يكاد يُختصـر في صورةٍ باهتة، تعكس أسواقاً خاوية، ووجوهاً مهمومة، ومنازل تفتقد الفرحة بالعيد، حتى أن تكبيراته باتت تأتي من مساجد يشوبها الحزن، ويغيب عنها الحضور المعتاد، ففقد العيد رمزيته، وضاعت فرحته، واضمحلّ رونقه، ولم تعد أيامه سوى امتداد لمعاناةٍ طويلة يعيشها الناس يوماً بعد يوم، فأصبح الكل يشكو من هذا الوضع المرير، ويتذمر، ويردد: إلى متى هذه الحال؟!
ولا يتوقف على معاناتهم - في مختلف المناطق اليمنية دونما استثناء أو تحيّز- بل ووصل إلى فئة التُّجار الذين يشكون من كساد بضائعهم في الأسواق، نتاج انخفاضٍ تجاوزت الـ 50 بالمئة من مبيعاتهم، وغيرها من عناوين الحزن والحرمان، ورغم كل ذلك يحاول اليمنيون التشبثَ ببشارات الفرح، والتمسك بالصبر، فتردد ألسنتهم دائماً: «العيدُ عيدُ العافية»، باحثين عن بارقة أملٍ في دعاء، وعن لحظة فرحٍ في ابتسامة طفل، ومحاولين خلق شيءٍ من العدم يُسعد به من يحب، لأن الفرح - وإن غاب - لا يُطفئه الألم تماماً، بل يؤجل حضوره لوقتٍ أجمل.
وفي الأخير... فعيد الأضحى هذا العام ليس كأيّ عيد، بل هو مرآةٌ لوضعٍ إنسانيٍّ مؤلمٌ وصعب يحتاج في البداية إلى ضرورة إعمالٍ للعقل، وإلى وقفةٍ جادّة من أجل إنقاذ شعبٍ أنهكته الحروب وحرمته حتى من أبسط حقوقه، فالعيد بلا ملامح، حين يُغتال في مهده، وحين يُترك الناس بلا أملٍ، ولا كرامةٍ، ولا حتى عيد.
* صحافي يمني